طابت أوقاتكم جميعا
هناك مصطلحات كانت تستخدم محلياً تحمل معانٍ
غير المعاني المتعارف عليها بحسب معناها في قواميس
اللغة العربية !
فكلمة ( جار )لا أحد يجهل معناها الذي ورد في القرآن الكريم
أو الأحاديث النبوية و في تراثنا اللغوي و الشعري و الأدبي
بشكل عام ،
ولكن بالتمعن في بيئة المقولة أعلاه سواء بيئتها المكانية
والزمانية و الاجتماعية ، فالمعنى هنا يختلف و المقصود
والمناسبة كذلك !
فبلمحة موجزة عن الحياة الاقتصادية و الأحوال المعيشية
بمنطقتنا قبل اكتشاف البترول و تحسّن الاوضاع عامة
كانت تقوم حياة غالبية الناس بالمنطقة قائمة على أهم
ثروتين و هما الثروة الزراعية و الثروة الحيوانية ،
وكلاهما قائمتين على توفر الماء ، فالمطر حياتها و الجدب
هلاكها ، و كانت مواسم الأمطار تعني الحياة للثروتين
فحين تغزر في مكان و تجدب في مكان آخر من المنطقة
فإن حركة تنقل الناس تنشط من الاماكن المجدبة إلى
الأماكن الممطورة ، فأصحاب الحلال ينتقلون بحلالهم
إلى أماكن الكلأ و الماء حرصاً منهم على ثروتهم الحيوانية
و لعل تلك الحالة المناخية قد جعلت من أهل القرى يبتكرون
ما يسمى بالمحاجر مفردها ( المحجر ) وهو تخصيص منشر
من مناشر القرية و حجرها من الرعاة في أوقات الخير فيمنعون
كائن من كان أن يدخل حدودها بما لديه من بهيمة الأنعام و يبقى
ذلك المكان محجوراً حتى يغلب الجدب و التصحر الرعوي على
جميع المناشر و لا يجدوا لماشيتهم كلأً و لا مرعى ، حينها قد يضطر
أهل القرية على تبييح المحجر للماشية و يصيح الصائح معلناً
بعبارة ( المحاجر بيح ) أي اصبح المحجر مباحاً للأنعام و لا مانع
من أن ترعى بهائم انعامهم فيه ، فترى الرعاة ينقضون إليه بحلالهم
و يتناقل البدو الرحل خبر بيح محجر القبيلة الفلانية أو القرية
الفلانية فينتقلون ببيوت الشعر و يركزونها في تلك المناشر و تمتلئ
المناشر ببيوت البدو و بأغنامهم حتى يتكرر الأمر في محجر آخر
أو يرحم الله العباد والبلاد والبهائم بنزول الأمطار و حياة الأرض
من جديد ، وللمحاجر أنظمة صارمة ضد من ينتهكها حتى لو بشاة
و قد يطول شرحها ، هذا حال اصحاب الثروة الحيوانية !!
أما حال أهل الثروة الزراعية و هم المعنيين باستفسارك عن المقولة
التي أردتِها ، وهم اصحاب المزارع من أهل القرى ، فإنهم أيضاً
لا تستقيم مزارعهم و حياتهم و استقرارهم في قراهم إلا بتوفر
الماء ولا شيء غير الماء ! وقد ينزح إليهم اناس من قرى بعيدة
أخرى ساقهم الجدب و الجفاف فحلون مع أصحاب القرى التي
فيها ثمرة بسبب توفر مياه الامطار والآبار والغيول ، وقد يحتاج
أصحاب القرية من أولئك النازحين أيدي عاملة تساعدهم في خدمة
مزارعهم سقاية و حماية من الطير وخلافه فتشتغل العائلة النازحة
برجالها ونسائها مع إحدى عوائل القرية ، وحتى يعملن في صريم
الاعلاف للماشية و حلبها و اشغال حقينها ،مقابل السكن والمأكل
والمشرب و كذلك مقابل الأخذ من ناتج الثمرة عند حصادها
و هنا تخضع تلك العائلة النازحة لقيود العائلة التي ارتبطت
معها بهذا الاتفاق ، هنا اصبحوا جيرانا لمعزبينهم ، فيقال
فلان يعمل جاراً عند فلان و فلانة تعمل جارة عند آل فلان
فبعض أولئك الجيران يعاملون بقسوة أو بشيءٍ من التأمر
عليهم من قبل معزبهم ، فيشعرون بالضيم و التحسر على
حياتهم التي كانوا فيها معززين و مكرمين في قراهم وقد
يكونوا ممن كان يأتي إليهم نازحون و يعملون جيراناً
عندهم لولا أن الامطار شحت واجدب قراهم و حل فيها
الجفاف و الذي اجبرتهم تلك الظروف على النزوح المؤقت
الذي حتماً سيزول بزوال ذلك الجدب بمجرد نزول الأمطار
و ارتداد الآبار و اهتزاز الأرض و ربوَّها بالحياة من جديد ،
وهنا قد يصبح المجير للنازحين يوماً هو ذاته النازح الذي
اصبح جاراً عند الناس ، و لعل هذا حال كثير من الناس
قديماً عندما تتأخر الأمطار و تجف الآبار و تخلو الرفوف
و المدافن من مخزوناتها من القمح والشعير والذرة ، فإنهم
يضطرون لتوفير الطعام لمن يعولون و بالتصرف بأي شكل
من الأشكال ، إنه صراع من أجل البقاء !!
وهنا تبدو الصورة واضحة لك اختي ام رتاج حول تلك المقولة
( الله أكبر يوم قد حن للعرب جيران )
وتبدو على لهجتها أنه لهجة من اللهجات المشرقية .
مع فائق الود