الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين "محمد ابن عبدالله" عليه وعلى آلة الطيبين الأكرمين وصحابته الميامين صلوات الله وسلامه, اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما.
مدخل:
لماذا ندرس التاريخ؟
مما لا شك فيه ان التاريخ ودراسة التاريخ, مثار جدل في المجتمع ويُنظر للمهتمين بهذا المجال بأنهم مبتعدون عن الواقع, ويعيشون في بطون الكتب متأثرين بالأحداث التاريخية, التي "بنظرة المجتمع" لن تعود ولا يستفاد منها في أي شيء من أمور الحاضر أو المستقبل, وقد تجد من يدفع إليك بقوله تعالى في بداية نقاشك معه حول أهمية دراسة التاريخ (تلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) صدق الله العظيم, ولكن المتأمل في تفسير الآية, يرى عدم جدوى الاستدلال بها في هذا الموضع, إذ يقول ابن كثير في تفسيره "وقوله تعالى:تلك أمة قد خلت ) أي : مضت ( لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ) أي : إن السلف الماضين من آبائكم من الأنبياء والصالحين لا ينفعكم "انتسابكم" إليهم إذا لم تفعلوا خيرا يعود نفعه عليكم ، فإن لهم أعمالهم التي عملوها ولكم أعمالكم).
ومن هنا نتفق جميعاً على أن دراسة التاريخ فيه عبرة وعضة لأولي الألباب والعقول المنيرة, يقول ابن الأثير "إن الحكام إذا وقفوا على ما في الكتب من سير أهل الجور والعدوان استقبحوها", وكل حدث تاريخي إسلامي أو سياسي أو إرث تاريخي أو أدبي كان أم ثقافي مرتبط ارتباط وثيق بحاضر الأمة ومستقبلها فالتاريخ عادة يعيد نفسة, وهنا أبين وأقول وكلي ثقة مما أقول ( انه لا توجد على وجه الأرض أمةُ ماضيها ينبض بقوة وبشكل قوي وجلي وله تأثيراته السياسية والثقافية والشرعية على حاضرها كأمتنا) فما حدث قبل أربعة عشر قرناً من خلافات لا يزال يملأ الدنيا علينا وما حدث قبل خمسون عام لازالت أثاره وأفكاره بارزة على السطح, وتدافع عن نفسها بكل قوة!
يقول أحد الفلاسفة الكبار ( من أحب أن ينظر إلى المستقبل كتاباً مفتوحاً, فليحسن درس الماضي, ولكن التصديق التام لكل ما كتب المؤرخون هو شرٌ من عدم وجود مؤرخين أصلاً)
جملة مخيفة, وتبين أهمية دراسة التاريخ بوعي وبعقلانية.
إذاً بينا ولو بشكل مختصر أهمية دراسة التاريخ للقارئ الكريم, وهذا ليس بموضوعي الذي اود طرحه عليكم, ولكن أحببت أن تكون البداية هكذا, وموضوعي الذي أود أن أطرحه اليوم هو يهتم بتاريخ منطقة عسير ومال لحق به من تزوير قام به بعض الذين دفعوا بالكتب المزورة لأهداف شخصية, وهدموا بذلك تاريخ هذه المنطقة ولتبيان عن خطورة هذا الفعل الشنيع, الذي كان المحرك الأساسي فيه الأنانية وعدم الوفاء لهذه الأرض الكريمة, انظر إلى محرك البحث (Google) واكتب فيه تاريخ عسير وانظر إلى نتائج البحث وأكثر الكلمات التي يبحث عنها الشخص تتفاجأ باحتلال هذا المصطلح "تاريخ عسير الحقيقي" كأكثر المصطلحات بحثاً في الأنترنت, لماذا تكون النظرة الأولى دائماً لتاريخ عسير على أنه مزور؟
سؤال حاولت جاهداً أن أجيب عليه ووجدت أن أقرب جواب لسؤالي هو : الكم الهائل من الروايات والكتب المزورة التي بدأت تلقي بأضرارها على تاريخ المنطقة فعند قراءة أي حدث تاريخي يخص المنطقة حتى لو كان موثقاً فأن أول ما يتبادر في ذهن القارئ حقيقة هذا الحدث من عدمه, ويُتهم بالتزوير والكذب والمبالغة من يتحدث عن تاريخ المنطقة, وفي المقابل هناك ايضاً وجه أخر معتمد في المنطقة وهم من يكتبون عن تاريخ المنطقة بشكل رسمي, وهذا النسق له أخطائه أيضاً وعليه الكثير من الملاحظات ولو أنها ليست بحجم النسق الكاذب الأول, هنا يجب على القارئ أولاً في "تاريخ عسير" أن يكون ذكياً ويطرح كل معلومة يقرأها على طاولة النقاش وبرؤيته الخاصة ويحاول قراءة الحدث بشكل واقعي قبل الحديث عنه أو نشره, ويبتعد عن العاطفة التي كانت تدفع الكثير منا لتبجيل بعض الشخصيات التاريخية والعكس.
يجب أن يعي قارئ التاريخ ان الحضارات لابد بشكل أو بآخر ان تبيد ما قبلها ولكن من جهة أخرى يجب أن يفهم أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال طمس الهوية التاريخية لأي حضارة في الدنيا, وبذلك يجب أن لا يقع كاتب أو مدون التاريخ في مأزق الهجوم على من يحاول طمس تاريخه وذلك بتأليف القصص الخيالية وتصديقها ونشرها, على أن هذا السلوك سيكون السلاح الوحيد بيد المدافع, فقد رأينا أثر هذا التزييف بدعوى الدفاع كما يفهمه البعض أثر على إرثنا التاريخي والقيمي, والعاقل من يرى آثاره الخطيرة في وقتنا الحاضر وفي المستقبل بشكل مضاعف بلا شك,
لذا يجب علينا أن نبحث عن الحقيقة دائماً وهذا ما أريد أن أصل إليه بجميع ما ..., الحقيقة يا أخوان كما وصفها الشاعر الكبير أحمد شوقي بانه علقماً لمن أراد ان يبحث عنها, لأنها لاتقف دائماً في اول الطريق, الحقيقة لها الكثير من الأعداء تتناوشها من كل جانب ( السياسة – الغرض – الحسد –المصلحة – والمنفعة - والحقد - واللوثات النفسية والعقلية – والنظر في موضع القدمين ) كل هذه العوامل وغيرها تقف حائلاً بين الباحث والحقيقة, لذا يجب أن يتفهم العامة لما نقرأ التاريخ ولما ندرس التاريخ ولما نبحث دائماً عن الحقيقة, الحقيقة التي غُيبت وضاع القارئ بين الروايات وبين النسقين المتعاكسين, يصعب أن تعيش في هذه الدوامة وأنت تقرأ تاريخنا المجيد وصعب جداً أن تسلك هذا الطريق إذا لم تكن في بداية الأمر منحازاً في صف الحقيقة وهدفك فقط البحث عن الحقيقة والاستفادة من دروس التاريخ,
يجب على شبابنا المهتمين بتاريخ المنطقة أن يكونوا على جانب كبير من الوعي قبل خوض هذه المغامرة وأن يبتعد كل البعد عن العاطفة لأنه سُيحَمل امانة يجب أن يكون كفؤاً لحملها ونقلها, وأن لا يصدق كل ما يقرأ ويتحقق منه فمدرسة التاريخ الحديث تقول يجب أن يستفيد المؤرخ من كل العلوم في مجال التاريخ, فيجب أن يعتمد على الرواية ويتسلح بالرؤية, يجب ان يخضع كل حدث تاريخي للاختبار والنقاش والتأكد والتفكير وأن يحاول أن يعيش كل حدث ويقرأ الحدث من كل جوانبه ومن كل مصادرة ليستطيع أن يضفي لمسته الخاصة التي قد تختلف عن الآخر ويبدي رأيه بحسب ما وصل إليه, وبحسب رؤيته فقط وذلك بعد ان يدرس كل حدث تاريخي من جميع جوانبه بعيداً عن النيل من أي شخصية تاريخية, ذلك هو منهج الباحث العلمي عن الحقيقة.
اخيراً رحم الله من رفع لواءً ودافع عن فكرةٍ أو أرض في هذه المنطقة.
الموضوع أخواني ذو شجون والحديث يطول حوله أتمنى أن أرى مداخلاتكم النيرة في هذا الصرح العامر.